حكم سجود الشكر للإمام أثناء خطبة الجمعة
السؤال:
أنا إمام وخطيب ، وعندما أمر في خطبة الجمعة بباب من أبواب رحمة الله أحيانا أحب أن أسجد شكرا لله وأنا على المنبر وهو منبر حديث بدون درج ، خاصة في هذا الشهر المبارك الذي تعظم فيه القربات إلى الله ، فهل يجوز هذا ؟ ، وهل يجب على المأمومين اتباعي ؟
الجواب :
الحمد لله
لا يظهر لنا أن لخطيب الجمعة أن ينزل عن المنبر أثناء خطبته ، أو أن يقطع الخطبة كي يسجد للشكر على الصورة التي ذكر في السؤال ، وذلك للأسباب الآتية :
أولا
سجود الشكر إنما يستحب عند " هجوم نعمة " على حد تعبير الفقهاء ، يريدون بذلك أنها نعمة جديدة طارئة يكرم الله بها المسلم بعد أن كانت متأخرة ، وما تستذكره في خطبتك من نعم الله تعالى ومظاهر رحمته للإنسان هي نعم دائمة أو سابقة متجددة على الدوام ، ولكنها ليست طارئة بعد أن لم تكن ، ولهذا لا يستحب سجود الشكر عندها .
يقول الخطيب الشربيني رحمه الله :
" تسن لهجوم ـ أي : حدوث نعمة ، كحدوث ولد ، أو جاه ، أو مال ، أو قدوم غائب ، أو نصر على عدو ، أو اندفاع نقمة ، كنجاة من حريق ، أو غرق ؛ لما روى أبو داود وغيره : ( أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا جاءه أمر يسره خر ساجدا ، وخرج بالحدوث الاستمرار ، كالعافية والإسلام والغنى عن الناس ؛ لأن ذلك يؤدي إلى استغراق العمر في السجود ، وقيد في ( التنبيه والمهذب ونقله المصنف في شرحه عن الشافعي والأصحاب) النعمة والنقمة بكونهما ظاهرتين ، ليخرج الباطنتين ، كالمعرفة وستر المساوئ ، وقيدهما في ( أصل الروضة وفي المحرر ) بقوله تعالى : ( من حيث لا يحتسب )الطلاق/ 3 أي يدري ، قال في المهمات : وفيه نظر ، وإطلاق الأصحاب يقتضي عدم الفرق بين أن يتسبب فيه وأن لا ، ولهذا لم يذكره في المجموع ـ وهذا أوجه ؛ ولهذا أسقطه ابن المقري من أصله " انتهى من " مغني المحتاج " (1/447) ، وانظر " تحفة المحتاج " (2/216) .
ويقول البهوتي الحنبلي رحمه الله :
" تستحب سجدة الشكر عند تجدد نعمة ظاهرة ، أو دفع نقمة ظاهرة عامتين له وللناس ، أو في أمر يخصه نصا ، كتجدد ولد أو مال أو جاه ، أو نصرة على عدو ، وإن لم تشترط في النعمة الظهور فنعم الله في كل وقت لا تحصى ، والعقلاء يهنئون بالسلامة من العارض ، ولا يفعلونه في كل ساعة " انتهى من " كشاف القناع " (1/449-450) .
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" عند تجدد النعم ، أي : عند النعمة الجديدة ، احترازا من النعمة المستمرة ، فالنعمة المستمرة لو قلنا للإنسان إنه يستحب أن يسجد لها لكان الإنسان دائما في سجود ، لأن الله يقول : ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) إبراهيم/ 34 ، والنعمة المستمرة دائما مع الإنسان ، فسلامة السمع ، وسلامة البصر ، وسلامة النطق ، وسلامة الجسم ، كل هذا من النعم ، والتنفس من النعم وغير ذلك ، ولم ترد السنة بالسجود لمثل ذلك " انتهى من " الشرح الممتع " (4/105) .
ثانيا
الذي يظهر أيضا ، أنه لو كانت النعمة حادثة جديدة ، فلا ينبغي سجود الشكر لها على المنبر ، كما نص الفقهاء على منع سجود الشكر في الصلاة ، وقالوا إنها لا تقاس على جواز سجود التلاوة في كل منهما ، وذلك لعدم ورود سجود الشكر في الصلاة أو على المنبر عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ولما احتج بعض العلماء – خاصة المالكية – على عدم مشروعية سجود الشكر كله ، بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه : "حين جاء رجل واشتكى للنبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر القحط قال : ( فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الجِبَالِ ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ المَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) رواه البخاري في " صحيحه " (933) ومسلم في " صحيحه " (897) قالوا : فلم يسجد عليه الصلاة والسلام للشكر رغم تجدد النعمة في هذا الموقف .
أجاب عن ذلك الإمام النووي رحمه الله بقوله :
" الجواب عن حديثهم أنه ترك السجود في بعض الأحوال بيانا للجواز ، أو لأنه كان على المنبر وفي السجود حينئذ مشقة ، أو اكتفى بسجود الصلاة ، والجواب بأحد هذه الأوجه أو غيرها متعين للجمع بين الأدلة " انتهى من " المجموع " (4/70) .
فعدم ورود سجود الشكر على المنبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، رغم تجدد نعمة حادثة في ذلك الوقت ، مما يغلب جانب الحظر في فعل ذلك الخطيب ، وهو في هذه الحال .
والواقع أنه هذا الفعل مظنة لوقوع صاحبه في إحداث أمر لم يكن ؛ فلا هو مما جرت به السنة ، ولا هو مما عمل به السلف ، ولا جرت عادة الناس به ، ومثل هذا أقرب للبدعة منه إلى السنة ، وأدنى للشهرة والحديث وإشارة الناس إلى صاحبه ، منه إلى خشوع العبادة وخفائها .
والله اعلم
السؤال:
أنا إمام وخطيب ، وعندما أمر في خطبة الجمعة بباب من أبواب رحمة الله أحيانا أحب أن أسجد شكرا لله وأنا على المنبر وهو منبر حديث بدون درج ، خاصة في هذا الشهر المبارك الذي تعظم فيه القربات إلى الله ، فهل يجوز هذا ؟ ، وهل يجب على المأمومين اتباعي ؟
الجواب :
الحمد لله
لا يظهر لنا أن لخطيب الجمعة أن ينزل عن المنبر أثناء خطبته ، أو أن يقطع الخطبة كي يسجد للشكر على الصورة التي ذكر في السؤال ، وذلك للأسباب الآتية :
أولا
سجود الشكر إنما يستحب عند " هجوم نعمة " على حد تعبير الفقهاء ، يريدون بذلك أنها نعمة جديدة طارئة يكرم الله بها المسلم بعد أن كانت متأخرة ، وما تستذكره في خطبتك من نعم الله تعالى ومظاهر رحمته للإنسان هي نعم دائمة أو سابقة متجددة على الدوام ، ولكنها ليست طارئة بعد أن لم تكن ، ولهذا لا يستحب سجود الشكر عندها .
يقول الخطيب الشربيني رحمه الله :
" تسن لهجوم ـ أي : حدوث نعمة ، كحدوث ولد ، أو جاه ، أو مال ، أو قدوم غائب ، أو نصر على عدو ، أو اندفاع نقمة ، كنجاة من حريق ، أو غرق ؛ لما روى أبو داود وغيره : ( أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا جاءه أمر يسره خر ساجدا ، وخرج بالحدوث الاستمرار ، كالعافية والإسلام والغنى عن الناس ؛ لأن ذلك يؤدي إلى استغراق العمر في السجود ، وقيد في ( التنبيه والمهذب ونقله المصنف في شرحه عن الشافعي والأصحاب) النعمة والنقمة بكونهما ظاهرتين ، ليخرج الباطنتين ، كالمعرفة وستر المساوئ ، وقيدهما في ( أصل الروضة وفي المحرر ) بقوله تعالى : ( من حيث لا يحتسب )الطلاق/ 3 أي يدري ، قال في المهمات : وفيه نظر ، وإطلاق الأصحاب يقتضي عدم الفرق بين أن يتسبب فيه وأن لا ، ولهذا لم يذكره في المجموع ـ وهذا أوجه ؛ ولهذا أسقطه ابن المقري من أصله " انتهى من " مغني المحتاج " (1/447) ، وانظر " تحفة المحتاج " (2/216) .
ويقول البهوتي الحنبلي رحمه الله :
" تستحب سجدة الشكر عند تجدد نعمة ظاهرة ، أو دفع نقمة ظاهرة عامتين له وللناس ، أو في أمر يخصه نصا ، كتجدد ولد أو مال أو جاه ، أو نصرة على عدو ، وإن لم تشترط في النعمة الظهور فنعم الله في كل وقت لا تحصى ، والعقلاء يهنئون بالسلامة من العارض ، ولا يفعلونه في كل ساعة " انتهى من " كشاف القناع " (1/449-450) .
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" عند تجدد النعم ، أي : عند النعمة الجديدة ، احترازا من النعمة المستمرة ، فالنعمة المستمرة لو قلنا للإنسان إنه يستحب أن يسجد لها لكان الإنسان دائما في سجود ، لأن الله يقول : ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) إبراهيم/ 34 ، والنعمة المستمرة دائما مع الإنسان ، فسلامة السمع ، وسلامة البصر ، وسلامة النطق ، وسلامة الجسم ، كل هذا من النعم ، والتنفس من النعم وغير ذلك ، ولم ترد السنة بالسجود لمثل ذلك " انتهى من " الشرح الممتع " (4/105) .
ثانيا
الذي يظهر أيضا ، أنه لو كانت النعمة حادثة جديدة ، فلا ينبغي سجود الشكر لها على المنبر ، كما نص الفقهاء على منع سجود الشكر في الصلاة ، وقالوا إنها لا تقاس على جواز سجود التلاوة في كل منهما ، وذلك لعدم ورود سجود الشكر في الصلاة أو على المنبر عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ولما احتج بعض العلماء – خاصة المالكية – على عدم مشروعية سجود الشكر كله ، بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه : "حين جاء رجل واشتكى للنبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر القحط قال : ( فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الجِبَالِ ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ المَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) رواه البخاري في " صحيحه " (933) ومسلم في " صحيحه " (897) قالوا : فلم يسجد عليه الصلاة والسلام للشكر رغم تجدد النعمة في هذا الموقف .
أجاب عن ذلك الإمام النووي رحمه الله بقوله :
" الجواب عن حديثهم أنه ترك السجود في بعض الأحوال بيانا للجواز ، أو لأنه كان على المنبر وفي السجود حينئذ مشقة ، أو اكتفى بسجود الصلاة ، والجواب بأحد هذه الأوجه أو غيرها متعين للجمع بين الأدلة " انتهى من " المجموع " (4/70) .
فعدم ورود سجود الشكر على المنبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، رغم تجدد نعمة حادثة في ذلك الوقت ، مما يغلب جانب الحظر في فعل ذلك الخطيب ، وهو في هذه الحال .
والواقع أنه هذا الفعل مظنة لوقوع صاحبه في إحداث أمر لم يكن ؛ فلا هو مما جرت به السنة ، ولا هو مما عمل به السلف ، ولا جرت عادة الناس به ، ومثل هذا أقرب للبدعة منه إلى السنة ، وأدنى للشهرة والحديث وإشارة الناس إلى صاحبه ، منه إلى خشوع العبادة وخفائها .
والله اعلم