عقوبة السحاق في الدنيا والآخرة .
السؤال:
ما هي عقوبة السحاق في الدنيا والآخرة ؟ فالإسلام لم يضع حدا للسحاق ، وإنما هو تعزير يحدده اجتهاد القاضي ، وهذا ليس بالرادع القوي للنساء ، فبعض النساء لا يهابون الحد كاللواط وعقوبته الشديدة ، فهل يجوز أن نستخدم أشياء أكثر ردعا ؟
الجواب :
الحمد لله
وقد بينا هناك أن عقوبته في الدنيا هي التعزير ، والتعزير يقدره القاضي الشرعي بحسب ما يظهر له من موازنة بين العقوبة الرادعة التي تعالج آثار هذه المعصية السيئة على الفرد والمجتمع ، وبين مراعاة الأسباب التي دفعت إلى ذلك وما يمكن أن يعد مخففا لحكم العقوبة .
والعلاج الحكيم الذي جاءت به الشريعة هو اتخاذ التدابير الواقية من هذه الفاحشة ، بتهيئة الظروف المساعدة على الزواج المبكر ، وتوفير الفرصة لكل فرد من أفراد المجتمع ليكون عنصرا فاعلا ومؤثرا ومنتجا ، فيشتغل بالبناء عن الهدم ، وبالطاعة عن المعصية ، وأيضا بتقوية الوازع الديني ، والمحافظة على الحجاب الشرعي ، فلا تكشف المرأة شيئا من عورتها أمام النساء ، ولا تتساهل في هذا الشأن ، وغير ذلك من الأسباب التي يجب العناية بها أكثر من النظر في تشديد العقوبة بالقدر الذي لم ترد به الشريعة الحكيمة .
يقول ابن الهمام الحنفي رحمه الله :
" إذا أتت امرأة امرأة أخرى فإنهما يعزران لذلك " انتهى من " فتح القدير " (5/262) .
ويقول ابن عبد البر رحمه الله :
" على المرأتين اذا ثبت عليهما السحاق : الأدب الموجع والتشريد " انتهى من " الكافي في فقه أهل المدينة " (2/ 1073) .
يقول الخرشي المالكي رحمه الله :
" شرار النساء إذا فعل بعضهن ببعض ، وإنما في هذا الفعل الأدب باجتهاد الإمام " انتهى باختصار من " شرح مختصر خليل " (8/78) .
وقال ابن رشد رحمه الله :
" هذا الفعل من الفواحش التي دل القرآن على تحريمها بقوله تعالى : ( والذين هم لفروجهم حافظون ) إلى قوله ( العادون ) ، وأجمعت الأمة على تحريمه ، فمن تعـدى أمر الله في ذلك وخالف سلف الأمة فيه كان حقيقا بالضرب الوجيع " انتهى من " البيان والتحصيل " (16/323) .
ويقول العلامة زكريا الأنصاري الشافعي رحمه الله :
" إن أتت امرأة امرأة عُزِّرتا " انتهى من " أسنى المطالب " (4/126) .
وهكذا اتفقت كلمة العلماء على ضرب من وقعتا في السحاق بالتقدير الذي يراه القاضي ، يقضي بذلك شدة أو خفة بحسب ما يبدو له من قرائن الأحوال وانتشار الفاحشة في المجتمع ، وذلك كاف في تحقيق الردع والتخويف المناسب لحفظ المجتمعات ، ولا يشترط وجود حد معين في القرآن الكريم أو في السنة النبوية كي يعاقب القضاء الشرعي على فاحشة معينة .
ثانيا
أما عقوبة الآخرة فتبينها الآيات والأحاديث التي جاءت بالوعيد لكل من عصى الله عز وجل ، خاصة وأن العلماء عدوا هذه المعصية من كبائر الذنوب ، والكبائر شأنها عند الله عظيم ، قال تعالى : ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ) النساء/31 ، فمن لم يجتنب الكبائر فهو على خطر عظيم ، وقد روى ابن أبي شيبة في " المصنف " (6/589) بسنده عن سالم بن عبد الله بن عمر قال : " في المرأة تركب المرأة ، قال : ليلقين الله وهما زانيتان " .
وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم هذه المعصية سببا لدمار الأمم وخراب المجتمعات ، فلا بد أن تكون أيضا سببا لدمار حال العبد يوم القيامة .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا اسْتَحَلَّتْ أُمَّتِي سِتًّا فَعَلَيْهِمُ الدَّمَارُ : إِذَا ظَهَرَ فِيهِمُ التَّلَاعُنُ ، وَشَرِبُوا الْخُمُورَ ، وَلَبِسُوا الْحَرِيرَ ، وَاتَّخَذُوا الْقِيَانَ ، وَاكْتَفَى الرِّجَالُ بِالرِّجَالِ ، وَالنِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ ) .
رواه الطبراني في " المعجم الأوسط " (2/17)، والبيهقي في " شعب الإيمان " (7/329) وقال : " إسناده وإسناد ما قبله غير قوي ، غير أنه إذا ضم بعضه إلى بعض أخذ قوة " انتهى . وحسنه الألباني في " صحيح الترغيب " (2/225) .
والله اعلم