للموت حالتان
1- النوم: هو الموت المؤقت.
أيها الأخوة، في الدرس الماضي بينت لكم أن حقيقة الإنسان جسم هو غلاف مادي، هناك انفصالات عديدة: انفصال مصغر كل واحد منا حينما ينام يموت موتاً مؤقتاً، تنفصل نفسه عن جسده، وتبقى معلقةً به نوعاً من التعليق، أما هو غائب في عالم آخر , من هنا عليه الصلاة والسلام كان يدعو قبل أن ينام ويقول:
((اللهم إنْ أمْسَكْتَ نَفْسِي فارْحَمْها، وَإِنْ أرْسَلْتَها فاحْفَظْها بما تَحْفَظُ بِهِ عِبادَكَ الصَّالِحينَ))
[ متفق عليه عن أبي هريرة رضي اللّه عنه ].
أيها الأخوة، انتبهوا إلى أن النبي عليه الصلاة والسلام كلما أوى إلى فراشه يظن أنه قد لا يستيقظ.
الموت إذا جاء لا يستأذن صاحبه:
كم من إنسان أوى إلى فراشه ولم يستيقظ، وكم من إنسان ذهب إلى عمله ولم يرجع، وكم من إنسان سافر ولم يعُد، وكم من إنسان دخل إلى البيت ولم يخرج إلا أفقياً، فلا بد أن تدخل المسجد مرةً ليصلى عليك، قد تدخله طوا ل حياتك لتصلي، وفي إحدى هذه المرات تدخله لِيُصَلَّى عليك، طوال حياتك تخرج وتعود، إلا في مرة واحدة تخرج ولا تعود، فإذا جاءت الساعة الثانية عشرة لا يقلْ أحد من أفرا د الأسرة: مات، ولا رجعة له إلى الدنيا، هذه الساعة الحرجة التي لابد منها كلُّ بطولتك في الإعداد لها، دقق.
﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً﴾
( سورة الإنسان الآية: 27)
كم من إنسان أصيب بجلطة لتوهمه أنه سيمثل أمام المحاكمة، فكيف لو وقفت في محكمة خالق الأكوان ؟ وهو الذي يعلم السر وأخفى، لا تخفى عليه خافية.
أيها الأخوة، الموت حقٌّ، ولا بد منه، يقول الله عز وجل:
﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾
( سورة العنكبوت الآية: 57)
سكرة الموت شيء، والموت شيءٌ آخر، نفس الإنسان تذوق الموت، لكنها لا تموت.
﴿ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ﴾
( سورة الزخرف الآية: 77)
الموت الأكبر: هو قبض الروح من الجسد.
الانفصال الثاني: انفصال النفس عن الجسد عند الموت، هذا الموت الأكبر، وقال بعضهم: هذه القيامة الصغرى، يقول لك يوم القيامة: هناك قيامة لكل إنسان خاصة به، يوم موته هو يوم قيامته، إذا قلت: فلان قامت قيامته يعني مات، وهناك قيامة كبرى يوم يجتمع الناس جميعاً عند رب العالمين، وهناك قيامة صغرى عندما يموت الإنسان.
الأدعية الواردة في السنة ينبغي ذكرها عند النوم وفي زمن الاستيقاظ:
كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول إذا استيقظ من نومه:
((الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي أحْيانا بَعْدَما أماتَنا وإلَيْهِ النشُورُ))
[ رواه البخاري عن حذيفةَ بن اليمان رضي اللّه عنهما، وعن أبي ذر رضي اللّه عنه ]
يحب أن تعتقد أن النوم موت مؤقت، ويجب أن تدعو قبل أن تنام: اللهم إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها، ويجب أن تقول حينما تستيقظ: الحمد لله الذي رد إلي روحي، وعافني في بدني، وأَذِن لي في ذكره، والإنسان العاقل يعيش حياته يومًا بيوم، استيقظنا: الحمد لله، جاهزية عالية، سمع، وبصر، وحركة، يا نفس لقد سمح الله لك أن تعيشي يوماً جديداً، فماذا تفعلين في هذا اليوم ؟
﴿ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ﴾
( سورة الأنعام الآية: 60 )
الله يتوفى الأنفس حين موتها، والتي لم تمت في منامها.
في الدنيا عقاب ومكافئة جزئية لبعض الناس لردع المسيئين و تشجيع للمحسنين:
أيها الأخوة، الآية التي ترتعد لها الفرائص هي قوله تعالى:
﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾
( سورة آل عمران الآية: 185 )
فمعنى الآية أن بعض الناس في الدنيا يعاقَبون ردعاً لبقية المسيئين، وأن بعض الناس في الدنيا يكافََؤون تشجيعاً لبقية المحسنين، أما الحساب النهائي، وكشف الرصيد، والحكم القاطع الذي لا استئناف فيه هو يوم القيامة " وإنما توفون أجوركم يوم القيامة " فوطن نفسك.
ارتكب إنسان كل المعاصي والموبقات، ومات ولم يصبْ بمصيبة، هناك امرأة في بريطانيا انحلت أخلاقها إلى درجة غير معقولة، وفي مؤتمر صحفي سمعه أكثر من خمسين مليون إنسان قالت: أنا زنيت سبع مرات، مرة في المكان الفلاني مع فلان الفلاني، بلا حياء ولا خجل، فلما ماتت مشى في جنازتها ستة ملايين إنسان .
فالعبرة أن يكون الإنسان مطيعاً لله عز وجل، من الممكن أنْ يُعاقَب إنسان في الدنيا و ألاّ يُعاقَب، وأنْ يُكافَأ إنسان في الدنيا وألاّ يُكافَأ، يجب أن تعتقد أن الدنيا ليست دار جزاء، إنما هي دار ابتلاء، فإذا عاقب الله بعض المسيئين فإن ذلك ردعٌ لبقية المسيئين، وإذا كافأ الله بعض المحسنين فذلك تشجيعٌ لبقية المحسنين
﴿ وإنما توفون أجوركم يوم القيامة﴾
ينبغي على المؤمن أن لا يشتغل عن سر وجوده ورحلته في الدنيا ومطالبها:
فأنت في الحياة الدنيا , كيف تحكم على إنسان غاص في أعماق البحر، وتلهى عن قطف اللؤلؤ بقطف المحارات والأصداف ؟ أحياناً حبة لؤلؤ ثمنها مئات الألوف، بينما مائة قطعة صدف لا تساوي شيئاً، فاللهو كتعريف دقيق له: أن تشتغل عن النفيس بالخسيس، الآية:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾
( سورة المنافقون الآية: 9)
جمع المال ممتع، وأن تكون مع أولادك تمتع نظرك بهم وتلاعبهم شيء آخر ممتع، لكن هناك إنسان يلهو وينسى ربه، وينسى سر وجوده، وغاية وجوده، فيؤثِر جلسةً مع أهله على درس علم، ويؤثر جمع المال على طلب مرضاة الله عز وجل.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ*﴾
( سورة المنافقون الآية: 9 ـ 10 )
الجواب:
﴿وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾
(سورة المنافقون الآية: 11)
تفكَّرْ وتمعَّن في هذه الكلمة (لن) للتحدي لنفي التأبيد " ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها
الغنى والفقر بعد العرض على الله:
قد يملك شخصٌ شركة دخلها فلكي، فمرة قرأت في بعض الصحف عن شركة سيارات ألمانية، عندها فائض نقدي مئة مليار دولار، لا تدري أين توظف هذا المبلغ ؟ شركة كهذه الشركة لو أنك تملكها، ولم تعمل لآخرتك شيئًا فأنت خاسر
﴿لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ﴾
يُروَى أن أكبر غني في العالم يهودي اسمه روكشلد، دخل مرة إلى غرفة أمواله، أمواله ليست في صندوق، بل في غرفة، ولها باب محكم كالصندوق الحديدي، ونتيجة خطأ أراده الله عز وجل أُغلِق عليه باب الغرفة، وهذه الغرفة يبدو أنها عميقة في البيت، صاح وصاح، من غير فائدة، ويُعرَف عنه أنه كان كثير الأسفار، فتوهم أهله أنه مسافر، فمات من الجوع والعطش، ولم يعلم بخبره أَحَدٌ، فجرح إصبعه، وكتب على الجدار: أغنى إنسان في العالم يموت جوعا
ً﴿ لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله﴾
إنّ كل قوتك، وكل هيمنتك، وكل استمتاعك في الدنيا منوط بميل وربع ميل قطر شريانك التاجي، فإذا ضاق هذا الشريان التاجي بدأت متاعب لا حصر لها.
الموت مقدر في علم الغيب على كل إنسان في الظرف الذي يكون فيه:
أيها الأخوة يجب أن نعلم علم اليقين أنه:
﴿ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾