صيام الست من شوال سنة ثابتة
من أعظم نعم الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن شرع لها أعمالاً تضاعف بها أجورها وتزاد بها حسناتها وإن من تلك الإعمال صيام الست من شوال فقد صح في مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر" وهذا أمر ليس بخاف على أحـــد لديه أدنى علم ولكن ما دعاني لكتابة هذه الكلمات ما صدرت في مجموعة عبد العزيز قاسم البريدية للكاتب الأخ نجيب يماني وفقه الله حيث كتب مقالاً حول حكم صيام الست من شوال ... ذهب فيه إلى قول غريب وعجيب وارتقى فيه مرتقاً صعباً وخالف فيه جمهور العلماء بل العلماء قاطبة إلاّ خلافاً ضعيفاً ولو قيل انعقد الإجماع فيما بعد على خلافه لم يكن بعيداً وأنا أظن الأخ وفقه الله إنما يريد بهذا الخير .. ولكن ليس كل مريد للخير يصيبه والكلام هنا في النقاط التالية ..
أولاًُ: صيام الست من شوال سنة ثابتة بالحديث كما سيأتي وقال بهذا كثير وكثير من علماء الإسلام فهو مذهب احمد والشافعي وروى عن كعب الأحبار والشعبي وميمون بن مهران وغيرهم كثير قاله في المغني 4/ 438 .
ثانياً : هذه السنة ثابتة بالحديث الصحيح الثابت عند مسلم كما سبق والحديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدا رمي وأحمد وعبد الرزاق والطيالسي والحميدي وابن أبي شيبة والطحاوي في مشكل الآثار وابن حبان والطبراني في الكبير والبيهقي والبغوي في شرح السنة والخطيب في تاريخ بغداد من حديث أبي أيوب الأنصاري .. والحديث صحيح صححه غير واحد من أهل الحديث وممن صححه النووي في شرح مسلم 8/ 238 وابن القيم في المنار المنيف ص 31 وفي تهذيب السنن 7/78 والشوكاني في نيل الأوطار 4/ 238 وغيرهم وحسنه الترمذي أيضاً 3 / 123 وأورده الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام ولم يتكلم عليه وهو الإمام البحر في الحديث ولكن اكتفي بهؤلاء الأئمة .. ولكن العجب كيف يزعم الأخ هداه الله أن الحديث ليس بثابت ؟! ثم أين يكون موقع الكاتب هداه الله بين هؤلاء الأئمة ؟!! هذه والله جرأة وقلة فقه وتصيد للشواذ .. وهذا يلحظ على الأخ فهو كثيراً مايتصيد شواذ الأقوال ويقوم بنشرها وهذا مسلك غير جيد وكلام أهل العلم من التحذير من تتبع الرخص وشواذ الأقوال معروف وهو دليل على اتباع الهوى وحب الظهور وقلة الفقه .. علماً أنّ الأخ كثراً مايدندن هو وجوب اتباع السنة ونعم ما أمر به ولكن حينما نجده يخالف السنة في ملبسه وظهره نصاب بنكسة وتناقض يكسو أقواله وأفعاله .. فكيف ينادي باتباع السنة وهو أول من يخالفها بحلق لحيته ؟! وهو الباحث الشرعي ؟!!
ثالثاً : اعتمد الكاتب في كلامه وتبديعه على أمرين :
أ) الكلام على إسناد الحديث والجواب عن هذا أن يقال أنه ليس كل حديث تُكِلم فيه يعد حديثا ضعيفاً فالحديث قد يكون له عدة طرق ولو صح من طريق لكفى في صحة إسناده كما هو حديثنا ثم أن الكلام في رجال الأحاديث له علم مستقل يحتاج لمتخصص في الحديث ورجاله قد قضى عمره مــع الأسانيد وهناك قواعد في الجرح والتعديل لا بد من الإحاطة بها وله مصنفات لا بد من الإلمام بها فهل الأخ قد تجاوز هذه المرحلة حتى يوازن بين كلام العلماء في الرجال فيأخذ بالراجح ؟!
أما انه ناقل فقط ؟! فإذاًُ عليه أن يتقي الله وأن يراقبه فيما يكتب وهو عند حسن الظن به إن شاء الله ...
ب ) اعتمد على كلام بعض العلماء وهما مالك وأبي حنيفة ولا شك أنهما عالمان جليلان ولكن الجواب على هذا هو ما قاله النووي رحمه الله في شرح مسلم 8/ 238 :" وإذا ثبتت السنة لا تترك لترك بعض الناس أو أكثرهم أو كلهم لها وقولهم أنه قد يظن وجوبها ينتقض بصوم عرفة وعاشوراء وغيرهما من الصوم المندوب " أ . هـ . وقال الشوكاني في النيل 4 / 238 :" واستدل على ذلك أي كراهة صومها أنه ربما ظن وجوبها وهو باطل لا يليق بعاقل فضلاً عن عالم ... واستدل مالك : بما قال في الموطأ بأنه ما رأى أحداً من أهل العلم يصومها ولا يخفى أن الناس إذا تركوا العمل بالسنة لم يكن تركهم دليلاً ترد بــه السنة "
ويضاف إلى هذا ما قاله ابن عبد البر وهو العالم المالكي النحرير أن الحديث لم يبلغ مالكاً انظر سبل السلام 2/ 340 .
خامساً : أن على الكاتب وفقه الله بل وعلى الكتاب جميعاً أن يتقو الله تعالى فيما يكتبون وأن يعلموا أنهم مسؤلين بين يدي الله تعالى وأن يحذروا كل الحذر من الكلام في أمور ربما ليست من اختصاصهم وأن يتركوا الكلام في الشريعة لأهلها وأن يحذروا من تصيد أخطاء العلماء وتتبع الخلاف [ فإن لو أخــــذنا بكل خلاف لضاع الدين ولو أن أخذنا بكل قولٍ لما سلم للمرء دينه ] وذلك أنه لا يكاد توجد مسألة فقهية إلا وفيها خلاف فهل يترك المرء صلاة الجماعة لأن فيها خلاف ويظهر محاسن زوجته لأن في المسألة خلاف بل هل يشرب الخمر لأن هناك كلام لبعضهم في ماهيته ؟!!... هذا هو ما يُلزم به الكاتب بل هذا ما يريده بعض الكُتاب هداهم الله ..يقول احد السلف من تتبع الرخص رق دينه.
والأمر يحتاج لبسط أكثر وصيام الست سنة لا يشنّع على تاركها لكن كونه يبدع فاعلها فالأمر خطير ولم يقل بقول الكاتب أحدٌ من العلماء قاطبة !!
سادساً : ألم يفكر الكاتب أنه بفعله هذا قد صد كثير من المسلمين عن هذه السنة ..فماذا يقول لربه يوم القيامة ؟! وقد سألني أكثر من واحد هل يصوم الست أم لا بناءً على كلام الكاتب هداه الله ...
سابعاً : وأخيراً أسأل الله لي وللكاتب وللمسلمين التوفيق والسداد وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح وأن يلهمنا الصواب ؛ثم الدعاء والشكر موصل للجريدة المدينة والعاملين بها وعلى وجه الخصوص الأخ عبدالعزيز قاسم وفقه الله ، والله تعالى أعلم وأحكم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .